واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولاً؛ لأنه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعاً إلا الله عزَّ وجلَّ.
فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المذموم المخذول كما قال سبحانه: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)} [الإسراء: ٢٢].
والاستعانة حال للقلب ينشأ من معرفته بالله تعالى، والإيمان بتفرده بالخلق والتدبير، والضر والنفع، والعطاء والمنع، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فيوجب للعبد ذلك اعتماداً على ربه، واستعانةً به، وثقةً به، ويقيناً بكفايته.
والاستعانة تجمع أصلين:
الثقة بالله .. والاعتماد عليه.
فالعبد قد يثق بالواحد من الناس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقثه به لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به.
والله عزَّ وجلَّ هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو المعبود المستعان في كل أمر كما قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥].
والاستعانة جزء من العبادة، والعبادة حق الله الذي أوجبه على عباده، والاستعانة طلب العون على العبادة، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة له من الله أعظم.
والاستعانة بالله لها وجهان:
أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوي دواعيه، ويسهل الفعل عليه.
الثاني: أن يطلب باستعانته بقاء كونه قادراً على طاعة ربه مستقبلاً، بأن تجدد له القدرة حالاً بعد حال.
والناس في العبادة والاستعانة أربعة أقسام:
الأول: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهؤلاء أجل الأقسام وأفضلهم.