للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أضعف من همة مَنْ رضي بهذا الغنى الزائل، وهذا غنى أرباب الدنيا الذي فيه يتنافسون، وإياه يطلبون، ولا أحب إلى الشيطان ولا أبعد عن الرحمن من قلب ملآن بحب هذا الغنى، والخوف من فقده.

فجدير بمن نصح نفسه أن لا يغتر به، ولا يجعله غاية مراده، بل إذا حصل له جعله سبباً لكسب الأجور، ووسيلة لغناه الأكبر، ويجعله خادماً من خدمه لا خادماً له، ويعز نفسه أن يُعبِّدها لغير مولاه الحق، أو يجعلها خادمة لغيره: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)} [الزمر: ٦٦].

أما الغنى العالي، فإن العبد إنما يصير غنياً بحصول ما يسد فاقته، ويدفع حاجته، وهو نوعان: غنى بالله .. وغنى عن غير الله.

وفي قلب الإنسان فاقة عظيمة، وضرورة تامة، وحاجة شديدة، لا يسدها إلا بحصول الغني الحميد، الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء، وإن فاته فاته كل شيء.

ومن استغنى به سبحانه عما سواه زالت عنه كل حسرة، وحضره كل سرور وفرح.

والغنى على ثلاث درجات:

الأولى: غنى القلب، وهو سلامته من السبب، فيتعلق بالله وحده، وإذا تعلق به تخلص من التعلق بغيره.

والغنى عند أهل الغفلة بالسبب والأشياء، ولذلك قلوبهم معلقة به، وصاحبها غني بها إذا سكنت نفسه إليها.

وغنى العارفين بالمسبب سبحانه، فمن كان سكونه إلى ربه فهو غني به، وكل ما سكنت النفس إليه فهي فقيرة إليه.

الثانية: غنى النفس، فالنفس من جند القلب ورعيته، وهي من أشد جنده خلافاً عليه وشقاقاً له، وغناها تماماً لغناه، ويكون ذلك باستقامتها على المرغوب وهو الحق سبحانه باستدامة طلبه، وقطع المنازل بالسير إليه، وسلامتها من التعلق

<<  <  ج: ص:  >  >>