بغير الله، وبراءتها من المراءاة، وهي إرادة غير الله بشيء من أعمالها.
فمراداتها دليل على شدة فقرها، وعدم استقامتها على مطلوبها الحق.
وذلك يدل على أنها غير واجدة لله، إذ لو وجدته لاستقامت على السير إليه، ولقطعت تعلقاتها وحظوظها من غيره، ولمََا أرادت بعملها غيره.
الثالثة: الغنى بالحق، وذلك يكون بشهود ذكره إياك، ومطالعة سبقه للأشياء جميعاً، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والفوز بوجوده، فهو الموجود بذاته، والغني بذاته، وجميع المخلوقات في العالم العلوي والسفلي هو الذي كساها حلة الوجود، فهي معدومة بالذات، فقيرة إليه بالذات، وهو سبحانه الغني بذاته:{سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[يونس: ٦٨].
والقلب لما كان هو الملك، فصلاحه صلاح لجميع رعيته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه (١).
فالقلب إذا استغنى بما فاض عليه من مواهب ربه، وعطاياه السنية من الإيمان والتوحيد، والمعرفة والعبودية، والطاعة والاستقامة، خلع على الأمراء والرعية خلعاً تناسبها، تأنس بها وتسعد بها:
فخلع على النفس خلع الطمأنينة والسكينة، والرضا والإخبات، فأدت الحقوق سمحة بانشراح ورضى، وجانست القلب ووافقته، وصارت وزير صدق، بعد أن كانت عدوة له معاندة له.
وأثمرت هذه المؤازرة والموافقة الطمأنينة واللذة.
وسلاح النفس كامن متوارٍ، لولا قوة سلطان القلب وقهره لها لحاربت بكل سلاح تملكه.
وخلع على الجوارح خلع الخشوع والوقار والانقياد، وخلع على الوجه خلعة
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٢)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٥٩٩).