المهابة والنور والبهاء .. ، وخلع على اللسان خلعة الصدق، والقول السديد والحكمة النافعة .. ، وخلع على العين خلعة الاعتبار في النظر، والغض عن المحارم .. ، وخلع على الأذن خلعة استماع النصيحة، واستماع القول النافع من كلام الله ورسوله .. ، وخلع على اليدين والرجلين خلعة المسابقة والمسارعة إلى الخيرات والطاعات .. ، وخلع على الفرج خلعة العفة عما حرم الله .. وهكذا.
فلا ترى هذا العبد إلا يغدو ويروح يرفل في هذه الخلع والحلل.
فغنى النفس مشتق من غنى القلب وفرع عليه، فإذا استغنى سرى الغنى منه إلى النفس فذهبت عنها البرودة التي توجب ثقلها وكسلها وإخلادها إلى الأرض.
وصارت لها حرارة توجب حركتها وخفتها في الأوامر، وطلبها الرفيق الأعلى، فحينئذٍ انقادت بزمام المحبة إلى مولاها الحق.
مؤدية لحقوقه .. قائمة بأوامره .. راضية عنه .. مرضية له.
فغنى القلب سلامته من الفقر إلى السبب، وشهوده والاعتماد عليه، والركون إليه والثقة به.
فمن كان معتمداً على سبب غناه واثقاً به لم يطلق عليه اسم الغني؛ لأنه فقير إلى الوسائط.
ومتى سلم العبد من علة فقره إلى السبب، ومن منازعته لأحكام الله، ومن علة مخاصمة الخلق إلا في حقوق ربه استحق أن يكون غنياً بتدبير مولاه، مفوضاً أمره إليه، لا يفتقر قلبه إلى غيره، ولا يسخط شيئاً من أحكامه.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في استفتاح صلاة الليل: «اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، أنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إلَهَ