بها، فإنه ما حقرك من ذكرك بإحسانه، وابتدأك بمعروفه، وتحبب إليك بنعمته.
هذا كله مع غناه عنك، فإذا شهد العبد ذكر ربه تعالى له، ووصل شاهده إلى قلبه شغله ذلك عما سواه، وحصل لقلبه به غنى عالٍ لا يشبهه شيء.
أما الدرجة الثانية من درجات الغنى بالله عزَّ وجلَّ فهي دوام شهود أوليته سبحانه، وهذه أعلى مما قبلها.
فالله عزَّ وجلَّ إذا فتح قلب عبده فشهد أوليته سبحانه، حيث كان ولا شيء غيره، وهو الإله الكامل في أسمائه وصفاته، الغني بذاته عما سواه.
الحميد بذاته قبل أن يخلق من يحمده ويمجده ويعبده، فهو معبود محمود، حي قيوم، له الملك وله الحمد في الأزل والأبد، لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال والجلال والجمال.
فهو القيوم الذي قيام كل شيء به، ولا حاجة به في قيوميته إلى غيره بوجه من الوجوه، فسائر الموجودات كلها سواه سبحانه أفنتها أولية الحق سبحانه، وكل صفة من صفات الرب سبحانه يستغنى العبد بها بقدر حظه من معرفتها، وقيامه بعبوديتها.
فمن شهد مشهد علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وتوفيته لعباده، وتعبد بمقتضى هذه الصفات، يعرج قلبه إلى الصمد مناجياً له، مطرقاً واقفاً بين يديه وقوف العبد الذليل بين يدي الملك العزيز الجبار.
فيشعر بأن كلامه وعمله صاعدان إليه، معروضان عليه، فيستحي أن يصعد إليه من كلمه ما يخزيه ويفضحه هناك.
ويشهد نزول الأوامر والمراسم الإلهية إلى أقطار العالم كل وقت بأنواع التدبير والتصريف:
من الإحياء والإماتة .. والتولية والعزل .. والخفض والرفع .. والعطاء والمنع .. والإكرام والإهانة .. والغنى والفقر .. والصحة والمرض .. وتقلب الدول .. ومداولة الأيام بين الناس .. إلى غير ذلك من التصرفات في المملكة التي لا