والمسلم إذا أعطى هذا المشهد حقه معرفة وعبودية استغنى به، وكذلك إذا شهد العبد مشهد علم الله المحيط، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا في أعماق البحار، ولا تحت أطباق الجبال، بل أحاط علمه سبحانه بكل شيء في الكون، وعلمه علماً تفصيلياً، ثم تعبد بمقتضى هذا الشهود، من مراقبته لنفسه، وحراسة خواطره وألفاظه، وجميع أحواله وعزماته وجوارحه، علم أن جميع حركاته الظاهرة والباطنة، وجميع أحواله ظاهرة مكشوفة لربه علانية، بادية لا يخفى على الله منها شيء.
وكذلك إذا أشعر قلبه صفة سمعه سبحانه لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخفائها، وسواء عنده من أسر القول ومن جهر به، لا يشغله سبحانه سماع صوت من جهر عن سمعه لصوت من أسر، ولا يشغله سمع من سمع في كل زمان ومكان.
ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها، بل هي عنده كلها كصوت واحد، كما أن خلق الخلق جميعهم وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة كما قال سبحانه: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)} [لقمان: ٢٨].
فإذا استشعر ذلك، وتعبد بمقتضى هذا الشعور بذكر ربه والثناء عليه، وتعظيمه وإجلاله، وحمده وشكره بلسانه وقلبه وجوارحه، استغنى بذلك عما سواه سبحانه.
وكذلك إذا شهد معنى اسمه البصير، الذي لا يخفى عليه شيء من خلقه في العالم العلوي والسفلي.
وكذلك إذا شهد مشهد قيومية الرب تعالى، وأنه قائم على كل شيء، وقائم على