للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)} [الأنعام: ١٠٢].

والدرجة الثالثة من درجات الغنى بالرب سبحانه الفوز بوجوده، وهذا الغنى أعلى درجات الغنى.

لأنه غنى بالحق سبحانه، وهو إنما يكون بعد ترقيه من آثار الصفات إلى آثار وجود الذات، وهو نور يقذفه الله في قلب من شاء من عباده، يعرف بذلك النور عظمة الذات كما يعرف عظمة الصفات، ويميز به بين الحي الذي يموت ويفنى، والحي الباقي الذي لا يزول ولا يفنى، فيستغني العبد الفقير بوجود سيده العزيز الرحيم.

فيا له من فقر ينقضي، ومن غنى يدوم، ومن عيش لذيذ.

ومن وصل إلى هذا الغنى قرت به كل عين؛ لأنه قد قرت عينه بالله، والفوز بوجوده، فيناجيه ويعبده كأنه يراه، ومن لم يصل إليه تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة» أخرجه ابن ماجه (١).

وإذا كان هذا غنى من كانت الآخرة أكبر همه، فكيف من كان الله سبحانه أكبر همه؟.

فالفقر الحقيقي: الافتقار إلى الله في جميع الأحوال، والاستغناء به في جميع الأحوال، وأحسن ما توسل به العبد إلى مولاه دوام الفقر إليه في جميع الأحوال، وملازمة السنة في جميع الأفعال، وطلب القوت من وجه حلال.

وحاجات هذا العبد الفقير إلى الله بعدد أنفاسه أو أكثر، فأفقر الناس إلى الله من شعر بهذه الحاجات، وطلبها ممن يملكها بطريقها الصحيح، فهو عامل على


(١) صحيح: أخرجه ابن ماجه برقم (٤١٠٥)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (٣٣١٣).
انظر السلسلة الصحيحة رقم (٩٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>