للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراد الله منه، لا على موافقة هواه، وهو تحصيل مراده من الله، قد خلص بكليته لله سبحانه، ليس لنفسه ولا لهواه في أحواله حظ ونصيب، زاهد في كل ما سوى الله، راغب في كل ما يقرب إلى الله.

وقد نزه الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن الفقر الذي يسوغ أخذ الصدقة بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} [الضحى: ٦ - ٨].

وعوضه سبحانه عما نزهه عنه بأشرف المال وأجله وأفضله، وهو ما أخذه بظل رمحه وقائم سيفه من أعداء الله، الذين كان مال الله بأيديهم ظلماً وعدواناً كما قال سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)} [الحشر: ٧].

فالله عزَّ وجلَّ خلق المال ليستعان به على طاعته ونفع عباده، وهو بأيدي الكفار ظلماً وعدواناً.

فإذا فاء ورجع إلى أولياء الله وأهل طاعته فاء إليهم ما خلق لهم.

ولكن لم يكن غنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وملكه من جنس غنى بني الدنيا وأملاكهم، فإن غناهم بالشيء، وغناه - صلى الله عليه وسلم - عن الشيء وهو الغنى العالي.

وملكهم ملك يتصرفون فيه بحسب إرادتهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما يتصرف في ملكه تصرف العبد الذي لا يتصرف إلا بإذن سيده كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي وَأنَا الْقَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» متفق عليه (١).

وذلك لكمال مرتبة عبوديته، ولأجل ذلك لم يورث، فإنه عبد محض من كل وجه لربه عزَّ وجلَّ، والعبد لا مال له فيورث عنه.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣١١٦)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٠٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>