ففي المنع نقصان جاهه، وفي البذل نقصان ماله، وكلاهما مؤذيان، والسائل هو السبب في الإيذاء، وأذى المسلم محرم.
والفقراء أربعة:
فقير لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فهذا بأرفع المنازل.
وفقير لا يسأل، وإن أعطي أخذ، فهذا دونه.
وفقير يسأل عند الحاجة، فهذا دونه .. وهؤلاء كلهم محمودون.
وفقير يسأل من غير حاجة وضرورة، فهذا مذموم، وصاحبه مأزور غير مأجور.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَألَ النَّاسَ أمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْألُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِر» أخرجه مسلم (١).
وحب الدنيا رأس كل خطيئة، ومقاطعتها إما أن تكون بانزوائها عن العبد، ويسمى ذلك فقراً، وإما بانزواء العبد عنها، ويسمى ذلك زهداً.
ولكل واحد منهما درجة في نيل السعادة.
والدنيا ليست محذورة لعينها، بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى.
والفقر ليس مطلوباً لعينه، بل لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى، وعدم التشاغل به، وكم من غني شغله غناه عن ربه؟ وعن تنفيذ أوامره؟
وكم من فقير شغله فقره عن ربه، وعن امتثال أوامره؟ وصرفه عن حب الله والأنس به، وإنما الشاغل له حب الدنيا، والدنيا معشوقة الغافلين.
فالمحروم منها مشغول بطلبها .. والقادر عليها مشغول بحفظها وجمعها والتمتع بها، وتنميتها والاستكثار منها.
والفقير عن الخطر أبعد، وفراق المحبوب شديد، فإذا أحببت الدنيا كرهت لقاء الله تعالى، فيكون قدومك بعد الموت على ما تكرهه، وفراقك لما تحبه.
وكل من فارق محبوباً كان أذاه في فراقه بقدر حبه له وأنسه به، فعلى العاقل أن
(١) أخرجه مسلم برقم (١٠٤١).