يحب من لا يفارقه وهو الله تعالى، ويزهد في الدنيا التي إن لم تفارقه هي فارقها هو، فهو دائم الخوف والحسرة عليها.
وأما آداب الفقير في قبول العطاء:
فإن جاءه مال بغير سؤال ولا استشراف فينبغي أن يلاحظ فيه ثلاثة أمور:
نفس المال .. وغرض المعطي .. وغرضه في الأخذ.
أما في المال فينبغي أن يكون خالياً عن الشبهات كلها، فإن كان فيه شبهة لم يأخذه.
وأما غرض المعطي فلا يخلو إما أن يكون طالباً للمحبة والإلفة وهو الهدية، فلا بأس بقبولها إذا لم تكن رشوة، ولم يكن فيها منَّة.
وإن كان غرض المعطي الثواب وهو الزكاة والصدقة، فعليه أن ينظر هل هو مستحق لذلك أم لا؟
وإن كان غرض المعطي الشهرة والرياسة والسمعة فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد فلا يأخذه.
وأما غرضه في الأخذ فلينظر هل هو محتاج إليه أو مستغن عنه؟
فإن كان مستغنياً عنه لم يأخذه، وإن كان محتاجاً إليه وقد سلم من الشبهة والآفات فالأفضل له الأخذ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: «خُذْهُ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» متفق عليه (١).
والفقر نوعان:
الأول: فقر اضطراري، وهو فقر عام لا خروج لبر ولا فاجر عنه.
الثاني: فقر اختياري، وهو نتيجة علمين شريفين:
أحدهما: معرفة العبد بربه .. والثاني معرفته بنفسه.
ومن حصلت له هاتان المعرفتان أثمرتا له فقراً هو عين غناه، وعنوان سعادته
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧١٦٣)، ومسلم برقم (١٠٤٥)، واللفظ له.