وهو بقهره عقله وتسليمه إلى أعدائه بمنزلة رجل قهر مسلماً، وباعه للكفار وسلمه إليهم، وجعله أسيراً عندهم.
فإنه لما أذل سلطان الله الذي أعزه به ورفع به قدره، وسلمه في يد أبغض أعدائه إليه وجعله أسيراً له، سلط الله عليه من كان حقه هو أن يتسلط عليه، فجعله تحت قهره وسلطانه، يسخره حيث شاء ويسخر منه، فصار بمنزلة من سلم نفسه إلى أعدى عدو له يسومه سوء العذاب، فلما ترك مقاومته واستسلم له سلط عليه عقوبة له كما قال سبحانه عن الشيطان: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)} [النحل: ٩٩، ١٠٠].
والله عزَّ وجلَّ لم يجعل له سلطاناً على العباد، وإنما هم سلطوه على أنفسهم بطاعته، ودخولهم في جنده وحزبه، فصار سلطانه عليهم، بأن تمكن منهم وتلاعب بهم، مع ضعفه وكونه لا يملك سلطان الحجة، وإنما دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان.
الحالة الثالثة: أن تكون الحرب سجالاً ودولاً بين الجندين، فتارة له .. وتارة عليه.
وهذه حال أكثر المؤمنين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليهم.
وهذه الأحوال الثلاث هي أحوال الناس في الصحة والمرض، فمن الناس من تقهر قوته داءه، فيكون السلطان للقوة.
ومنهم من يقهر داؤه قوته، فيكون السلطان للداء.
ومنهم الحرب بين دائه وقوته سجالاً، فهو متردد بين الصحة والمرض.
وتكون الأحوال يوم القيامة موازنة لهذه الأحوال الثلاث سواء بسواء.