الثانية: أن تكون القوة والغلبة لداعي الهوى على داعي الهدى، فيستسلم اليائس للشيطان وجنده، فيقودونه حيث شاؤوا، فإما أن يصير من جندهم وأتباعهم، وهذه حال العاجز الضعيف، وإما أن يصير الشيطان من جنده، وهذه حال الفاجر القوي المتسلط، والمبتدع الداعي المتبوع، وهؤلاء هم الذين غلبت عليهم شقوتهم، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فلهم النار يوم القيامة: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)} [المؤمنون: ١٠٤ - ١٠٨].
وإنما صاروا إلى هذه الحال لما أفلسوا من الصبر والإيمان والتقوى.
وأصحاب هذه الحال أنواع شتى:
فمنهم المحارب لله ورسوله، الساعي في إبطال ما جاء عن الله ورسوله، يصد عن سبيل الله ويبغيها عوجاً.
ومنهم المعرض عن ما جاء به الرسول، المقبل على دنياه وشهواتها فقط.
ومنهم المنافق ذو الوجهين، الذي يأكل بالكفر والإسلام.
ومنهم الماجن المتلاعب، الذي قطع أنفاسه بالمجون واللهو واللعب.
ومنهم من يقول ليس الله محتاجاً إلى صلاتي وصيامي وعبادتي، وأنا لا أنجو بعملي، والله غفور رحيم.
ومنهم من يقول ترك المعاصي استهانة بعفو الله ومغفرته.
ومنهم من يقول ماذا تقع طاعتي في جنب ما قد عملت من الكبائر.
ومنهم من يرعى في وادي المعاصي، ويقول سوف أتوب.
إلى غير ذلك من أصناف الجاهلين المفترين، الذين صارت عقولهم في أيدي شهواتهم، فعقله مع الشيطان كالأسير في يد الكافر، يستعمله في رعي الخنازير، وعصر الخمر.