والله تبارك وتعالى يعاقب على الأسباب المحرمة، وعلى ما تولد منها، كما يثيب على الأسباب المأمور بها، وعلى ما تولد منها كما قال سبحانه: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)} [النحل: ٢٥].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» أخرجه مسلم (١).
ومشقة الصبر تكون بحسب قوة الداعي إلى الفعل، وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر.
وإن فقدا معاً سهل الصبر عنه، وإن وجد أحدهما دون الآخر سهل الصبر من وجه، وصعب من وجه.
فمن لا داعي له مثلاً إلى القتل والسرقة والزنى، ولا هو سهل عليه، فصبره عنه من أيسر شيء وأسهله عليه، ومن اشتد داعيه إلى ذلك وسهل عليه، فصبره عنه أشق شيء عليه.
ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم .. وصبر الشاب عن الفاحشة .. وصبر الغني عن اللذات والشهوات عند الله بمكان.
ولذلك استحق السبعة أن يظلهم الله في ظل عرشه لكمال صبرهم ومشقته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،