وأما إخبار المخلوق بالحال فإن كان للاستعانة به فيما يقدر عليه، والتوصل إلى زوال ضرره، لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بما يؤلمه ويشكو منه، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه.
والأنين على قسمين:
أنين شكوى فيكره .. وأنين استراحة وتفريج فلا يكره.
وأما الشكوى فهي نوعان:
شكوى بلسان المقال .. وشكوى بلسان الحال، ولعلها أعظمها، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنعم عليه ربه أن يظهر نعمة الله عليه، وأعظم من ذلك من يشتكي ربه وهو بخير، فهذا أمقت الخلق عند ربه.
ومما ينافي الصبر شق الثياب عند المصيبة، ولطم الوجه، وحلق الشعر، وضرب إحدى اليدين بالأخرى، والدعاء بالويل.
ولا ينافي الصبر والبكاء، والحزن عند المصيبة كما قال الله عن يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)} [يوسف: ٨٤].
وَاشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ:«أقَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ! فَبَكَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
فَلَمَّا رَأى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بَكَوْا. فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا (وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (١).
ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة، والتحدث بها، وكتمانها رأس الصبر،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٣٠٤)، ومسلم برقم (٩٢٤) واللفظ له.