ويضاد الصبر الهلع، وهو الجزع عند حصول المصيبة، والمنع عند ورود النعمة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)} [المعارج:١٩ - ٢١].
والصبر ألوان:
صبر على التكاليف والأوامر من عبادة ودعوة وجهاد .. وصبر على النعماء والبأساء .. وصبر على حماقات الناس وجهالاتهم ... وصبر على البلاء والفتن.
والمؤمنون يصبرون على كل ذلك ابتغاء وجه ربهم، لا تحرجاً من أن يقول الناس جزعوا، ولا تجملاً ليقول الناس صبروا، ولا رجاء في نفع من وراء الصبر، ولا دفعاً لضر يأتي به الجزع، وقد وعد الله هؤلاء بقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)} [الزمر: ١٠].
والصبر منصور أبداً، فإن كان صاحبه محقاً كان منصوراً، له العاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة، وإن كان مبطلاً لم يكن له عاقبة.
والصبر ثلاثة أنواع:
صبر على طاعة الله .. وصبر عن معصية الله .. وصبر على أقدار الله المؤلمة.
فالأولان صبر على ما يتعلق بكسب الإنسان، والثالث صبر على مالا كسب للعبد فيه، فصبر يوسف - صلى الله عليه وسلم - عن مطاوعة امرأة العزيز على ما تريد منه أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه.
فهذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، وليس للعبد فيها حيلة غير الصبر.
وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضى، ومحاربة للنفس وشهواتها، لا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة.
فإنه كان شاباً عزباً غريباً مملوكاً، والمرأة جميلة، وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، ومع هذه الدواعي صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ