وأعظمهم تنزيهاً له نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«لَيْسَ أحَدٌ، أوْ لَيْسَ شَيْءٌ أصْبَرَ عَلَى أذًىً سَمِعَهُ مِنَ الله، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَداً، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» متفق عليه (١).
وصبر الله تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه منها:
أن صبره سبحانه عن قدرة تامة، ومنها أنه لا يخاف الفوت، ومنها أنه لا يلحق بصبره ألم ولا حزن ولا نقص بوجه ما.
والفرق بين الصبر والحلم، أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، والحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر.
والمخلوق يحلم عن جهل، ويعفو عن عجز، والرب تعالى يحلم مع كمال علمه، ويعفو مع تمام قدرته.
وحلمه وقدرته وعلمه من لوازم ذاته سبحانه، وأما صبره عزَّ وجلَّ فمتعلق بكفر العباد وشركهم ومسبتهم له سبحانه، وأنواع معاصيهم وفجورهم.
فلا يحمله ذلك على تعجيل العقوبة، بل يصبر على عبده، ويمهله ويستصلحه، ويرفق به، ويحلم عليه.
حتى إذا لم يبق فيه موضع للصنيعة، ولا يصلح على الإمهال والرفق والحلم، ولا ينيب إلى ربه، ولا يدخل عليه لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم، أخذه أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الإعذار إليه، وبذل النصيحة له، ودعائه إليه من كل باب.
وهذا كله من موجبات صفة حلمه.
ولو أن الناس أعطوا هذا الاسم حقه، لعلموا أن الرب تعالى أحق به من جميع الخلق، كما أنه أحق باسم العليم والرحيم وسائر الأسماء من جميع الخلق.
والتفاوت الذي بين صبره سبحانه وبين صبر الخلق كالتفاوت الذي بين حياتهم وحياته، وعلمه وعلمهم، وكذا سائر صفاته وصبره سبحانه من أعظم مصبور
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٠٩٩) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٨٠٤).