فإن لم تقدر على متابعة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فاجتهد في متابعة ولده الصبي .. كيف انقاد لحكم ربه، مع صغر سنه، فمد عنقه للذبح امتثالاً لأمر ربه.
وأنه لابتلاء عظيم، وبلاء مبين للوالد والولد، يحتاج إلى صبر كالجبال، إنه ابتلاء يهز القلوب، ويرجف له الفؤاد، ولكنه أمر الله، ولا بدَّ من امتثاله.
فمن يطيق أن يذبح ابنه؟ ومن يتحمل مباشرة الذبح؟ ولكن الله يريد صفاء إبراهيم، وهو خليل الرحمن، وقد تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، فأمره الله أن يذبح من زاحم حبه حب ربه: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)} [الصافات: ١٠٢].
فلما قدَّم إبراهيم طاعة ربه وعزمه على ذبح إسماعيل، وزال ما في القلب من المزاحم بقي الذبح لا فائدة فيه فلهذا قال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)} [الصافات: ١٠٣ - ١١١].
وإن كنت دون الرجل، فاتبع الموسوم بنقصان العقل والدين، وهي أم الذبيح إسماعيل، هاجر المملوكة امرأة إبراهيم .. وانظر كيف أطاعت ربها وصبرت، فتحملت المحنة في ولادتها، ثم صبرت حين تركها الخليل مع ولدها في مكة، حيث لا ماء ولا زاد ولا أنيس، ثم توجهت إلى ربها ليغيثها، فلما تربت على اليقين على الله، جعل الله خطواتها عبادة إلى يوم القيامة، وهي السعي بين الصفا والمروة.
كما قال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)} [إبراهيم: ٣٧].
ومن صفات الله تبارك وتعالى الصبر، وأطلق عليه الصبر أعرف الخلق به،