للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصبر نوعان:

أحدهما: صبر على المقدور كالمصائب.

الثاني: صبر على المشروع وهو نوعان:

صبر على الأوامر ... وصبر عن النواهي.

فذاك صبر على الإرادة والفعل .. وهذا صبر عن الإرادة والفعل.

فأما النوع الأول فمشترك بين المؤمن والكافر، لا يثاب عليه بمجرده إن لم يقترن به إيمان واحتساب كما قال - صلى الله عليه وسلم - لابنته: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» متفق عليه (١).

ومن قل يقينه قل صبره .. ومن قل صبره خف واستخف، ولعبت به الأهواء كما تلعب الريح بكل خفيف.

وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه.

فإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ابتلي بالنار، ومفارقة الأهل والأولاد والدار، فصبر ابتغاء وجه ربه، فأنجاه الله من النار، وجعل في ذريته النبوة والكتاب.

ومن أراد الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة فليوطن نفسه على الصبر على البلاء، والصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، ومن أراد أن يقتدي في دينه فليتبع الأنبياء؛ لأنهم بالله أعرف وله أطوع.

وقد أمرنا الله باتباع رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأمر رسوله باتباع ملة إبراهيم، وملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - البذل والتضحية بكل شيء من أجل التوحيد والإيمان وإعلاء كلمة الله.

فإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من أجل الدين بذل نفسه حين سلمها للنيران .. وبذل ماله حين سلمه للضيفان .. وضحى بولده حين بذله للقربان .. وأسكن وترك بواد غير ذي زرع طاعة للرحمن.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٢٨٤)، ومسلم برقم (٩٢٣)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>