أن يتزود منها لدار بقائه وخلوده أخس ما فيها وأقله نفعاً إلا ساقط الهمة، دنيء المروءة، ميت القلب، فإن حسرته تشتد إذا عاين حقيقة ما تزوده، وتبين له عدم نفعه، فكيف إذا ترك تزود ما ينفعه على زاد يعذب به، ويناله بسببه غاية الألم.
الرابع عشر: تعرضه إلى من القلوب بين إصبعيه، وأزمة الأمور بيديه، فلعله أن يصادف أوقات النفحات، ولا يستوحش من ظاهر الحال.
فالله سبحانه يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله وصفاته، فإنه ما حَرَمه إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه، وما أخرج أبويه من الجنة إلا ليعيدهما إليها على أكمل حال.
الخامس عشر: أن يعلم العبد أن فيه جاذبين متضادين هو ممتحن بهما، جاذب يجذبه إلى الرفيق الأعلى، وجاذب يجذبه إلى أسفل سافلين.
فكلما انقاد إلى الجاذب الأعلى صعد درجة، حتى ينتهي إلى حيث يليق به من المحل الأعلى.
وكلما انقاد إلى الجاذب الأسفل نزل درجة، حتى ينتهي إلى موضعه من سجين.
وإذا أراد أن يعلم هل هو مع الرفيق الأعلى أو الأسفل، فلينظر أين روحه في هذا العالم، فإنها إذا فارقت البدن تكون في الرفيق الأعلى الذي كانت تجذبه إليه في الدنيا فهو أولى بها.
وكل مهتم بشيء فهو منجذب إليه وإلى أهله بالطبع.
فالنفوس العلوية تنجذب بذاتها وأعمالها إلى أعلى، والنفوس السافلة إلى أسفل.
السادس عشر: أن يطهر العبد قلبه ويفرغه من إرادات السوء وخواطره، ويبذر فيه بذر الذكر والفكر، والمحبة والإخلاص.
فعند ذلك يقوى الرجاء لإصابة نفحات الرحمن جل جلاله في الأوقات الفاضلة، والأحوال الشريفة.
وفضل الله لا يرده إلا المانع الذي في العبد، فلو زال ذلك المانع لسارع إليها