السابع عشر: أن يعلم العبد أن الله سبحانه خلقه لبقاء لا فناء له، ولعز لا ذل معه، وأمن لا خوف فيه، وغنى لا فقر معه، ولذة لا ألم معها، وكمال لا نقص فيه.
وامتحنه في هذه الدنيا بالبقاء الذي يسرع إليه الفناء، والعز الذي يقارنه الذل، ويعقبه الذل، والأمن الذي معه الخوف، وبعده الخوف.
وكذلك الغنى واللذة، والفرح والسرور، الذي هنا مشوب بضده، فغلط أكثر الخلق في هذا فطلبوا النعيم والبقاء، والعز والملك، والجاه والشرف في غير محله ففاتهم في محله.
وأكثرهم لم يظفر بما طلبه من ذلك، والذي ظفر به إنما هو متاع قليل زائل.
والله عزَّ وجلَّ أرسل رسله وأنزل كتبه بعبادة الله وحده، والدعوة إلى النعيم المقيم، والملك الكبير في الجنة.
فمن أجابهم حصل له ألذ ما في الدنيا وأطيبه، فكان عيشه فيها أطيب من عيش الملوك فمن دونهم؛ لأن العبد إذا ملك شهوته وغضبه فانقادا معه لداعي الدين فهو الملك حقاً.
لأن صاحب هذا الملك حر، والملك المنقاد لشهواته وغضبه عبد شهوته وغضبه، فهو مسخر مملوك في زي مالك.
الثامن عشر: أن يتخلص من الشر بالبعد عنه، وعن أسبابه ومظانه ويستعين على الخروج عن العوائد بالهرب عن مظان الفتنة.
ولا يعتز بما في مظان الشر من بعض الخير، فإن الشيطان يخدعه بذلك، فإذا قرب منه صاده وألقاه في الشبكة.
والعبد في الدنيا لا يخلو من حالين:
الأولى: ما يوافق هواه من الصحة والمال، والجاه والملاذ.
والعبد في هذا محتاج إلى الصبر؛ لئلا يركن إليها، وينسى حق الله فيها.