أحدها: الطاعات، فيحتاج العبد على الصبر عليها؛ لأن النفس بطبعها تنفر من العبودية، فمن العبادات ما تكرهه النفس بسبب الكسل كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يكره بسبب الشهوة كالصيام، ومنها ما يكره بسبب الخوف كالجهاد، ومنها ما يكره بسبب الكسل والبخل كالحج.
ويكون الصبر على الطاعة في ثلاثة أحوال:
حال قبل العبادة، بتصحيح النية والإخلاص، والصبر على شوائب الرياء، وحال في نفس العبادة، وهي أن لا يغفل عن الله تعالى أثناء العبادة.
والثالثة بعد الفراغ من العمل، فيصبر عن إفشائه، والتظاهر به؛ ليسلم من الرياء والسمعة، وعن كل ما يبطله.
الثاني: الصبر عن المعاصي الصغائر والكبائر، فإن كان مما يتيسر فعله كمعاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء، كان الصبر عليه أثقل.
الثالث: ما لا يدخل تحت الاختيار كالمصائب، مثل موت الأحبة، والأمراض، وهلاك الأموال، وسائر أنواع البلاء.
فالصبر على ذلك من أعلى المقامات، ومنه الصبر على أذى الناس كما قال سبحانه: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)} [آل عمران: ١٨٦].
والله سبحانه قادر على أن يحيي الدين كله في العالم كله، ولكن الله جعل ذلك إلينا، لنقوم بالدعوة إلى الله، ونصبر على ذلك، فنحصل على أجر الهداية والدعوة والصبر.
والله قادر على أن يجعل الناس كلهم أغنياء، ولكن الله عزَّ وجلَّ بحكمته ورحمته جعل فينا الغني والفقير، ليحصل الغني على الأجر بالإنفاق، ويحصل الفقير على الأجر بالصبر، وكلاهما على خير.