بالصبر، وأقلهم بالرضا، قابلها هو بأعلى من ذلك كله، وهو الشكر والحمد.
الثالثة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم، فهو مشغول بمراده منه عن غيره، وواقف مع مراد الملك منه، لا مع مجرد حظه من الملك، وعبادة النفس أن يقف الإنسان مع مراده من الله، لا مع مراد الله منه.
ودرجات الشكر وأنواعه كثيرة:
فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر .. ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر .. والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر .. والمعرفة بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر .. والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر.
وحسن التواضع في النعم والتذلل فيها شكر .. وشكر أهل الجود والإحسان من الخلق شكر، فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله .. وقلة الاعتراض وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر.
وتلقي النعم بحسن القبول، واستعظام صغيرها شكر، واستعمال النعمة في طاعة الله شكر، والثناء على الله بها شكر.
والنعمة: هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وكل ما يصل إلى الخلق من النفع ودفع الضرر فهو من الله تعالى.
والنعمة على ثلاثة أقسام:
أحدها: نعمة تفرد الله بإيجادها نحو أن خلق ورزق.
الثانية: نعمة وصلت من جهة غير الله في ظاهر الأمر، وفي الحقيقة أنها وصلت من الله تعالى، وذلك لأنه تعالى هو الخالق لتلك النعمة .. والخالق لذلك المنعم .. والخالق لداعية الإنعام في قلب ذلك المنعم، إلا أنه لما أجرى تلك النعمة على يد ذلك العبد، كان ذلك العبد مشكوراً، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله تعالى، ولهذا قال سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)} [لقمان: ١٤].
فبدأ بنفسه تنبيهاً إلى أن إنعام الخلق لا يتم إلا بإنعام الله.