وكل ما عرفه الخلق كلهم من نعم الله تعالى بالإضافة إلى ما لم يعرفوه أقل من قطرة في بحر كما قال سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} [النحل: ١٨].
والخلق لم يقصروا في شكر النعمة إلا للجهل والغفلة، فإنهم منعوا بذلك عن معرفة النعم، ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفتها.
ثم إن عرف العباد نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول أحدهم بلسانه: الحمد لله، والشكر لله فقط، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها، وهي طاعة الله وعبادته، ولله تعالى في كل موجود حكمة ونعمة فليشكر العبد ربه عليها.
والشكر على ثلاث درجات:
الأولى: الشكر على المحاب، فكل الخلق في نعم الله، وكل من أقر بالله رباً، وعلم تفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر، وهو الاستعانة بها على مرضاته.
الثانية: الشكر في المكاره، وهو أشد وأصعب من الشكر على المحاب، ولهذا كان فوقه في الدرجة، فالمسلم لا يحب المكروه، ولا يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه، فكان شكره كظماً للغيظ الذي أصابه، وستراً للشكوى.
وهذا الشاكر قابل المكاره الذي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوسطهم