فإنه ينبغي للعبد أن يخاف المكر، وأن يُسلب هذا اليقين والحضور، واليقظة والحلاوة.
فكم من مغبوط بحاله، انعكس عليه الحال، ورجع من أحسن الأعمال إلى أقبح الأعمال، واستبدل بالأنس وحشة، وبالحضور غيبة، وبالقرب بعداً.
الثالثة: هيبة الجلال لذي الجلال، فإن وحشة الخوف تكون مع الانقطاع والإساءة؟.
أما هيبة الجلال فإنها متعلقة بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكلما كان العبد بربه أعرف، وإليه أقرب، كانت هيبته وإجلاله في قلبه أعظم، وهي أعلى درجات الخوف.
وأكثر ما تكون الهيبة أوقات المناجاة، وهو وقت تملق العبد ربه، وتضرعه بين يديه، وهي مخاطبة القلب للرب خطاب المحب لمحبوبه مع هيبة جلاله.
وأكمل الأحوال اعتدال الخوف والرجاء في القلب مع غلبة الحب لله.
فالخوف أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة، والتي عليها مدار مقامات السالكين إلى الله وهي:
الخوف .. والرجاء .. والمحبة.
والخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يتخلف عنه.
وقد أثنى الله عزَّ وجلَّ على أقرب عباده إليه بالخوف منه فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)} [الانبياء: ٩٠].
وكلما كان العبد بالله أعرف كان له أخوف، ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به.
فأعرف الناس بالله أخشاهم لله كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (٢٨)} [فاطر: ٢٨].
ومن عرف الله جل جلاله اشتد حياؤه منه، وخوفه له، وحبه له، وإجلاله له.