للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخوف الله جلَّ جلاله من أجلِّ منازل الطريق إلى الله، فإن العبد له حالتان:

إما أن يكون مستقيماً .. أو مائلاً عن الاستقامة.

فإن كان مائلاً عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وهذا الخوف ينشأ من ثلاثة أمور:

أحدها: معرفة العبد بالجناية وقبحها.

الثاني: تصديق الوعيد، وأن الله رتب على المعصية عقوبتها.

الثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة، ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب.

فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه، فإن الحامل على الذنب:

إما أن يكون عدم علم العبد بقبحه .. وإما عدم علمه بسوء عاقبته ..

وإما أن يجتمع له الأمران لكن يحمله عليه اتكاله على التوبة، وهو الغالب على ذنوب أهل الإيمان.

فإذا علم العبد قبح الذنب، وعلم سوء مغبته، وخاف أن لا يفتح له باب التوبة، اشتد خوفه فابتعد عنه.

وهذا قبل الذنب، فإذا عمله كان خوفه أشد.

وأما إن كان المسلم مستقيماً مع الله، فخوفه يكون مع جريان الأنفاس، لعلمه بأن الله مقلب القلوب، وأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، فإن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤].

وخوف العبد المسيء الهارب من الله خوف مقرون بوحشة ونفرة، فهو مشفق من عمله لعلمه بأنه صائر إلى العقوبة كما قال سبحانه: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الشورى: ٢٢].

وأما خوف المسيء الهارب إلى الله الفار إليه فهو خوف محشو بالحلاوة

<<  <  ج: ص:  >  >>