والثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا الغرور والتمني، والرجاء الكاذب.
والخوف والرجاء بالنسبة للعبد كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)} [الزمر: ٩].
وفي كلا الرجائين كمال:
رجاء المحسن ثواب إحسانه وطاعاته، لقوة أسباب الرجاء معه، ورجاء المذنب المسيء التائب مغفرة ربه وعفوه؛ لأن رجاءه مجرد من علة رؤية العمل، مقرون بذلة رؤية الذنب.
والرجاء من أجلِّ المنازل وأعلاها وأشرفها، وعليه وعلى الحب والخوف مدار السير إلى الله عزَّ وجلَّ.
وقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه.
ولولا الرجاء لعطلت عبودية القلب والجوارح، ولولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة، ولولا روح الرجاء وريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات، وعلى حسب محبة الله وقوتها يكون الرجاء والخوف، فكل محبة فهي مصحوبة بالخوف والرجاء، وعلى قدر تمكنها من قلب المحب يشتد خوفه ورجاؤه، لكن خوف المطيع المحب لا يصحبه وحشة، بخلاف خوف المسيء.
ورجاء المطيع المحب لا يصحبه علة، بخلاف رجاء المذنب المسيء.
والرجاء ضروري ولازم لكل عبد، لو فارقه لحظة لتلف أو كاد، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة