للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو سبحانه يحب من عباده أن يرجوه ويسألوه من فضله؛ لأنه الملك الجواد، أجود من سئل، وأحب ما إلى الجواد أن يرجى ويؤمل ويسأل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)} [فاطر: ٢٩،٣٠].

والرجاء يحدو العبد في سيره إلى الله، ويطيب له المسير، فلولا الرجاء لما سار أحد، فإن الخوف وحده لا يحرك العبد، وإنما يحركه الحب، ويزعجه الخوف، ويحدوه الرجاء، وبالرجاء يزداد العبد حباً لله، فإنه كلما اشتد رجاؤه، وحصل له ما يرجوه ازداد حباً لله، وشكراً له، ورضى به وعنه.

وبالرجاء يزداد العبد من معرفة الله وأسمائه وصفاته، ومعانيها، والتعلق بها، والتعبد بها.

وفي الرجاء تكميل مراتب العبودية من الذل والانكسار، والتوكل والاستعانة والخوف والرجاء، والصبر والشكر، والرضا والإنابة.

ولهذا قدر الله على العبد الذنب وابتلاه به لتكميل مراتب العبودية له بالتوبة التي هي أحب شيء إليه، فكذلك تكميلها بالرجاء والخوف.

ودرجات الرجاء ثلاث:

الأولى: رجاء يبعث العامل لبذل جهده لما يرجوه من ثواب ربه، ويولد عنده اللذة حين الطاعة والعبادة.

فإنه كلما طالع قلبه ثمرتها وحسن عاقبتها التذ بها، وهذا كحال من يرجو الأرباح العظيمة في سفره، وكذا المحب الصادق الساعي في مراضي محبوبه الشاقة عليه كلما تأمل رضاه عنه، وقبوله سعيه، وقربه منه، تلذذ بتلك المساعي والأعمال.

وكذلك الطباع لها معلوم ورسوم تتقاضاها من العبد، ولا تسمح له بتركها إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>