ومن لم يجد هذا السرور والطعم والحلاوة ولا شيئاً منه، فليتهم إيمانه وأعماله، فإن للإيمان حلاوة من لم يذقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان ولذته.
الدرجة الثانية: مراقبة العبد لمراقبة الله له، وهي توجب صيانة الباطن والظاهر، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن بحفظ الخواطر والإرادات الباطنة، التي منها رفض معارضة أمره وخبره ورفض كل محبة تزاحم محبته .. وهذه حقيقة القلب السليم الذي لا ينجو إلا من أتى الله به، وتوجب الإعراض عن الاعتراض على أسمائه وصفاته بالشبه الباطلة .. والاعتراض على شرعه وأمره بالآراء والأقيسة المتضمنة تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، والاعتراض على حقائق الشرع والإيمان بالأذواق والكشوفات الباطلة، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه، فاغتالوا القلوب واقتطعوها عن طريق الله، فتولد من ذلك خراب العالم، وهدم كثير من قواعد الدين، والاعتراض على الدين بالسياسات الجائرة التي قدموها على حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحكموا بها بين عباده، وعطلوا بها ولها شرعه وعدله وحدوده.
والعاصم من كل ذلك التسليم المحض للوحي، وكذلك الإعراض عن الاعتراض على أفعاله وقضائه وقدره، وهذا اعتراض الجهال، وهو سار في النفوس سريان الحمى في بدن المحموم.
وكل نفس معترضة على قدر الله وقسمه وأفعاله، إلا نفساً قد اطمأنت إليه، وعرفته حق المعرفة، فتلك حظها التسليم والانقياد، والرضا كل الرضا.
الثالثة: شهود سبق الحق تعالى لكل ما سواه، وأنه كان ولم يكن شيء غيره البتة.
وكل ما سواه كائن بتكوينه له، وكل ما يظهر في الأبد هو عين ما كان معلوماً في الأزل، وإنما تجددت أوقات ظهوره.