ومراقبة الإخلاص في كل حال، ومراقبة مواقع رضا الرب ومساخطه في كل حركة، والفناء عما يسخطه بما يحب سبحانه، فانياً عن مراده من ربه مهما علا بمراد ربه منه.
ومن حسن المراقبة أن تكون قيماً على إيمانك حتى لا ينقص، وعلى جوارحك حتى لا تكل، فإذا وفيتها الحظوظ فاستوف منها الحقوق:
حق الله .. وحق رسوله .. وحق كتابه .. وحق دينه .. وحق الأهل .. وحق الأرحام .. وحق الجيران ... وحق المؤمنين.
ومن حسن المراقبة إذا كنت عاملاً بالجوارح فاذكر نظر الله إليك، وإذا كنت قائلاً باللسان فاذكر سمع الله إليك، وإذا كنت ساكتاً أو مستخفياً فاذكر علم الله بك ونظره إليك، فهو الذي لا يخفى عليه شيء: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)} [يونس: ٦١].
وحقيقة المراقبة ملاحظة الرقيب، وانصراف الهمم إليه، وهي حالة للقلب تثمرها معرفة الله، وتثمر تلك الحالة أعمالاً في القلب والجوارح.
أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب، واشتغاله به، والتفاته إليه، وملاحظته إياه، وانصرافه إليه.
وأما المعرفة التي ثمرتها هذه الحالة فهي العلم بأن الله مطلع على الضمائر، عالم بالسرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف، كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أعظم من ذلك.
فإذا استولت هذه المعرفة على القلب استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب، وصرفت همه إليه، فتولد من ذلك قوة الإيمان واليقين، والرغبة في الطاعات، وكراهية المعاصي والسيئات.