للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعاينة ثلاث درجات:

إحداها: معاينة الأبصار، وهي الرؤية بالعين، برؤية الشيء عياناً ومشاهدة بانطباع صورة المرئي في القوة الباصرة.

الثانية: معاينة عين القلب، وهي معرفة عين الشيء على نعته، وقد جعل سبحانه القلب يبصر ويعمي كما تبصر العين وتعمى كما قال سبحانه:

{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦].

الثالثة: معاينة عين الروح، وهي التي تعاين الحق عياناً محضاً برؤية الحق من الباطل، وقوة اليقين.

وأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم بقلبه شاهد من الدنيا وحقارتها، وفنائها، وخسة شركائها، ويرى أهلها صرعى حولها، أضحكتهم قليلاً، وأبكتهم كثيراً، وعذبتهم بأنواع العذاب.

فإذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحل عنها، وسافر في طلب الدار الآخرة.

فيرى الآخرة ودوامها فأهلها لا يرتحلون منها، ولا يظعنون عنها، فهي دار القرار، ثم يقوم بقلبه شاهد من النار وتوقدها واضطرامها، وبعد قعرها، وشدة حرها، وصراخ أهلها، فيشاهدهم وقد سيقوا إليها سود الوجوه، زرق العيون، والسلاسل والأغلال في أعناقهم.

ويراهم يسبحون في النار على وجوههم، يأكلون فيها الزقوم، ويشربون الحميم، ويفترشون النار، قطعت لهم ثياب من نار: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦)} ... [فاطر: ٣٦].

فإذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي، واتباع الشهوات، ولبس ثياب الخوف والحذر، وهانت عليه كل مصيبة تصيبه في غير دينه وقلبه.

وبحسب قوة هذا الشاهد يكون بعده من المعاصي والمخالفات، وتذوب من قلبه تلك الفضلات والمواد المهلكة، فيجد القلب لذة العافية وسرورها.

<<  <  ج: ص:  >  >>