فيقوم بقلبه بعد ذلك شاهد من الجنة، وما أعد الله لأهلها فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فضلاً عما وصفه الله لعباده من النعيم المقيم، المشتمل على المطاعم والمشارب، والملابس والقصور، والبهجة والسرور.
فيقوم بقلبه شاهد دار قد جعل الله النعيم المقيم الدائم بحذافيره فيها، تربتها المسك، وحصباؤها الدر والياقوت، وبناؤها من الذهب والفضة، وشرابها أحلى من العسل، وأطيب من المسك، وأبرد من الثلج.
ويرى الحور العين التي غلب نورهن ضوء الشمس، والحور العين اللاتي كأمثال اللؤلؤ المكنون، وأمثال الياقوت والمرجان.
ويرى الولدان المخلدون الذين كاللؤلؤ المنثور، وهم يخدمون أولياء الله في الجنة، ويرى أهل الجنة يأكلون من ألوان الفواكه في الجنة، فاكهة لذيذة دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، يأكلون لحم طير مما يشتهون، ويشربون من عسل مصفى، وماء غير آسن، ولبن لم يتغير طعمه، وخمر لذة للشاربين، ويراهم على الأرائك متكئين، على سرر متقابلين، وفي جنة يحبرون، وفيها من كل ما يشتهون: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١)} [الزخرف: ٧١].
فإذا انضم إلى هذا الشاهد شاهد يوم المزيد، والنظر إلى وجه الرب جل جلاله، وسماع كلامه، والفوز برضوانه.
فإذا انضم هذا الشاهد على الشواهد التي قبله، فهناك يسير القلب إلى ربه أسرع من سير الرياح في مهابها، وفوق ذلك شاهد آخر تضمحل فيه هذه الشواهد، ويغيب به العبد عنها كلها، وهو شاهد جلال الرب وجماله وكماله، وعزه وسلطانه، وقيوميته وعلوه.
فإذا شاهده العبد شاهد بقلبه قيوماً قاهراً فوق عباده، مستوياً على عرشه، متفرداً بتدبير مملكته، آمراً ناهياً، يرسل الرسل، وينزل الكتب، ويرضي ويغضب،