فإذا قام بالعبد هذا الشاهد، اضمحلت فيه الشواهد المتقدمة من غير أن تعدم، بل تصير الغلبة والقهر لهذا الشاهد، وتندرج فيه الشواهد كلها.
ومن هذا شاهده وسلوكه فله سلوك وسير خاص، ليس لغيره ممن هو عن هذا في غفلة أو معرفة مجملة.
وصاحب هذا الشاهد سائر إلى الله في يقظته ومنامه، وحركته وسكونه، له شأن، وللناس شأن.
وكل ما يقوم بقلوب عابديه ومحبيه سبحانه هو من هذا الشاهد، وهو الباعث لهم على العبادة والمحبة، والخشية والإنابة، وتفاوتهم فيه لا يحصر.
وأعظم الناس حظاً في ذلك معترف بأنه لا يحصي ثناء عليه سبحانه، وأنه فوق ما يثني عليه المثنون، وفوق ما يحمده الحامدون: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)} [الزمر: ٦٧].
وكل قلب متلوث بالخبائث والأخلاق الرديئة، والصفات الذميمة، متعلق بالمرادات السافلة، حرام عليه أن يقوم به هذا الشاهد.
ومَنْ منَّ الله عليه فلا تزال شواهد الصفات قائمة بقلبه.
إن قام بقلبه شاهد الربوبية والقيومية رأى أن الأمر كله لله، ليس لأحد معه من الأمر شيء: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)} [فاطر: ٢].