وفي النهاية ملؤوا فراغ العقيدة بتصورات أورثت الشك في دين الله، والإعراض عنه، وتجاوزه إلى غيره، وهبط أكثر المسلمين في القاع، لا في الزهد في الدين ونبذه فحسب، بل بتنفير الناس عنه بالأقوال والأفعال والصفات.
وقام في الأمة من بني جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا من يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف، ويصد عن سبيل الله بلسانه وقلمه وحاله.
إن دور الأنبياء وأتباعهم إبلاغ دين الله، ولزوم هذا العمل، والصبر على مشاق الطريق.
أما هدى الناس أو ضلالهم فهو بيد الله وحده لا شريك له، وله سنة إلهية لا تتبدل، ولا يغير منها رغبة الرسول أو الداعي في هداية من يحب، كما لا يغير منها ضيقه ببعض من يعاند ويحارب ويؤذي كما قال سبحانه: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)} [الأنعام: ٣٥].
إن شخصه لا اعتبار له في هذا الأمر، وحسابه ليس على عدد المهتدين، إنما حسابه على ما أدى وما صبر، وما التزم وما استقام كما أُمر، وأَمر الناس بعد ذلك إلى رب الناس فهو العليم الحكيم: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)} [الأنعام: ٣٩].
وجميع الخلق في قبضته، وهو أعلم بمن يصلح للهداية أو الضلالة: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)} [الأنعام: ٣٥].
وصاحب الدعوة لا يجوز أن يعلق قلبه وأمله وعمله بالمعرضين عن الدعوة المعاندين لها، الذين لا تنفتح قلوبهم لدلائل الهدى، وموجبات الإيمان.
إنما يجب أن يفرغ قلبه، وأن يوجه أمله وعمله للذين سمعوا واستجابوا، فهؤلاء في حاجة إلى بناء كيانهم لتزكو قلوبهم، ويتفقهوا في دينهم، وتصلح أخلاقهم، وهذا كله يحتاج إلى جهد بعد جهد الدعوة.
أما الواقفون على الشق الآخر فجزاؤهم بعد الدعوة الإهمال والإعراض، وحين