وجعل العلماء واسطة بين الرسل وأممهم في إبلاغ العلم والهدى، فالرسل بلغت ذلك إلى أممهم، والعلماء بلغوا ذلك إلى من بعدهم، فالعلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم وبلغوه إلى من بعدهم، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
والعالم الرباني: هو الذي يعمل بعلمه ويخشى الله ويتقيه، ويعلم الناس أمور دينهم كما قال سبحانه: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)} [آل عمران: ٧٩].
وأمراض القلوب أشد وأخطر من أمراض الأبدان؛ لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت، وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم الإلهي؛ ولهذا اصطفى الله الأنبياء والرسل، ورباهم وأرسلهم إلى الأمم بالهدى والعلم الإلهي الذي به صلاح العالم.
وكثير من الأفراد والشعوب والأمم يستغنون عن الأطباء، وأما العلماء بالله وأمره وشرعه فهم حياة الوجود وروحه، ولا يستغنى عنهم طرفة عين.
وحاجة القلب إلى العلم والإيمان أعظم من حاجة البدن إلى الطعام والتنفس والعلم للقلب، كالماء للسمك إذا فقده مات، ولهذا سماه الله شفاءً كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)} [يونس: ٥٧].
وتزكية النفوس بالإيمان والهدى أصعب من علاج الأبدان وأشد، ولا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريق الأنبياء والرسل.
فتزكية النفوس البشرية مسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم