للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسبحان {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه: ٥٠].

ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وانتقل من معرفة هذه الهداية إلى إثبات النبوة بأيسر نظر، وأول وهلة، وأحسن طريق وأخصرها.

فإن من لم يهمل هذه الحيوانات والمخلوقات، ولم يتركها سدىً، ولم يتركها معطلة، بل هداها إلى هذه الهداية التي تعجز عقول العقلاء عنها، كيف يليق به أن يترك النوع الإنساني الذي هو خلاصة الوجود، الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه، مهملاً ومعطلاً وسدىً، لا يهديه إلى أقصى كمالاته، وأفضل غاياته، بل يتركه معطلاً لا يأمره ولا ينهاه، ولا يثيبه ولا يعاقبه، هذا من أكبر المحال؟.

إن هذا لا يليق بجلال الله وحكمته، ويتعالى الله عنه، وقد نزه الله نفسه عن هذا الحسبان فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)} [المؤمنون: ١١٥، ١١٦].

فمن لم يهمل أمر كل دابة في الأرض .. وأمر كل طائر في الجو .. وأمر كل حيوان يسبح في البحر .. بل جعلها أمماً وهداها إلى غاياتها ومصالحها .. كيف لا يهديكم إلى كمالكم ومصالحكم وما يسعدكم في الدنيا والآخرة؟.

بل رحمكم فبعث إليكم رسله .. وأنزل عليكم كتبه .. لتحصل لكم الهداية .. وتتم عليكم النعمة كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (٣)} [المائدة: ٣].

والله عزَّ وجلَّ كما يحمي أنبياءه ورسله ويصونهم ويحفظهم، ويتولاهم وينصرهم، كذلك يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم، وسخريتهم بهم، كما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تارة ساحر، وتارة مجنون، وتارة شاعر، وتارة كذاب، وآذوه وسبوه، وشتموه وسخروا منه، وكادوه وحاربوه وكذبوه.

وضربوا له أمثالاً، وهو أبعد خلق الله منها، وقد برأه الله منها، وقد علم كل عاقل

<<  <  ج: ص:  >  >>