وهكذا نزل عذاب الله بكل من طغى وبغى، وتجبر واستكبر، وكذب وتولى.
تارة بالماء .. وتارة بالريح .. وتارة بالرجفة، وتارة بالصاعقة .. وتارة بالصيحة {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)} [يونس: ٤٤].
وهكذا طويت صفحة من صحائف المكذبين الظالمين، وحق النذير بعد التذكير على المستهزئين: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩)} [الشعراء: ١٥٨،١٥٩].
وتمضي عجلة الزمن، وتتوالى الأيام، فيأتي عهد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فيرسله الله إلى قومه داعياً إلى التوحيد، وكانوا يعبدون الأصنام من دون الله كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢)} [الأنبياء: ٥١،٥٢].
فماذا قال له قومه: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣)} [الأنبياء: ٥٣].
فقال لهم: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٥٤)} [الأنبياء: ٥٤].
فبماذا أجابوه: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥)} [الأنبياء: ٥٥].
فقال لهم: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦)} [الأنبياء: ٥٦].
فأقسم إبراهيم أنه سينتقل من المحاجة باللسان إلى تغيير المنكر بالفعل؛ ثقة بالله ودفاعاً عن دينه، فواجه قومه كلهم بقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)} [الأنبياء: ٥٧،٥٨].
فلما رجعوا وجدوا أصنامهم التي يعبدونها مكسرة قطعاً إلا الأكبر منها: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١)} [الأنبياء: ٥٩ - ٦١].
فلما جاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢)} [الأنبياء: ٦٢].
فماذا قال لهم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا