للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)} [الشورى: ١٣].

وإذا كان الذي شرعه الله من الدين للمسلمين المؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - هو ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ففيم يتقاتل أتباع موسى، وأتباع عيسى؟ وفيم يتقاتل أتباع موسى وعيسى مع أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -؟. وفيم يتقاتل من يزعمون أنهم على ملة إبراهيم من المشركين مع المسلمين؟.

ولم لا يجتمع الكل ليقفوا تحت الراية الواحدة التي يحملها رسولهم الأخير؟.

ولم لا يتحدوا لينفذوا الوصية الواحدة الصادرة للجميع؟.

{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣].

ولكن المشركين في أم القرى ومن حولها وهم يزعمون أنهم على ملة إبراهيم وقفوا من هذه الدعوة موقفاً آخر: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: ١٣].

والتفرق الذي وقع مخالفاً لتلك الوصية التي أوصى الله بها رسله لم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم، وقع بغياً وظلماً وحسداً: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: ١٤].

تفرقوا تحت تأثير الأهواء الجائرة، والشهوات الباغية، ولو أخلصوا لعقيدتهم واتبعوا منهجهم ما تفرقوا، ولقد كانوا يستحقون أن يأخذهم الله بعذاب أخذاً عاجلاً جزاء بغيهم وظلمهم وتفرقهم، ونقضهم العهد والميثاق.

ولكن كلمة سبقت من العزيز الرحيم لحكمة أرادها بإمهالهم إلى أجل مسمى، ولولا هذه الكلمة لقضي بينهم، فحق الحق، وبطل الباطل، وانتهى الأمر في هذه الحياة الدنيا، ولكنهم مؤجلون إلى يوم الوقت المعلوم.

فأما الأجيال الذين ورثوا الكتاب من بعد أولئك الذين تفرقوا واختلفوا من أتباع كل نبي فقد تلقوا عقيدتهم وكتابهم بغير يقين جازم؛ لوجود الخلاف والشك، والغموض والحيرة بين شتى المذاهب كما قال سبحانه: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>