ولكي لا تزدان هذه الدعوة بحلية من حلي هذه الأرض ليست من حقيقتها في شيء.
ولكي لا يكون هناك مؤثر مصاحب لها خارج عن ذاتها المجردة، ولكي لا يدخلها طامع، ولا يتنزه عنها متعفف.
فلما اعترضوا على اختيار العليم الخبير لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - رد عليهم القرآن مستنكراً هذا الاعتراض على رحمة الله واختياره: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} [الزخرف: ٣٢].
وكانت قيادة البشرية قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني إسرائيل، فالله خالق البشر وحده، وهو الذي يشرع لهم وحده، ويرسل لهم من شاء وحده: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٦)} [الجاثية: ١٦].
فكانت فيهم التوراة شريعة الله .. وكان فيهم الحكم لإقامة شريعة الله .. وكان فيهم النبوة بعد رسالة موسى وكتابه للقيام على الشريعة والكتاب .. وكثر فيهم الأنبياء وتتابعوا فترة طويلة .. فكانت مملكتهم، ونبواتهم في الأرض المقدسة الطيبة .. الكثيرة الخيرات بين النيل والفرات .. وفضلهم الله على أهل زمانهم بطبيعة الحال، وكان مظهر هذا التفضيل الأول اختيارهم للقيادة بشريعة الله، وإيتائهم الكتاب والحكم والنبوة، وآتاهم الله شريعة بينة فاصلة حاسمة، لا غموض فيها ولا لبس، ولا عوج ولا انحراف، ولم يكن هناك ما يدعو إلى الاختلاف.
وما حصل الخلاف بين بني إسرائيل عن غموض في الأمر، ولا عن جهل بالحكم، إنما كان ذلك عن تحاسد بينهم، ونزاع وظلم، مع معرفة الحق والصواب، وكان الواجب أن يشكروا هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم، ويقوموا بها على أكمل الوجوه، وأن يجتمعوا على الحق الذي بينه الله لهم،