وافترقوا فيما أمروا بالاجتماع عليه على الرغم مما منّ الله عليهم به من العلم الموجب لعدم الاختلاف، وإنما حملهم على الاختلاف والتفرق البغي والظلم من بعضهم على بعض: {وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧)} [الجاثية: ١٧].
وبذلك انتهت قيادتهم في الأرض، وبطل استخلافهم وأمرهم بعد ذلك إلى يوم القيامة.
ثم كتب الله تبارك وتعالى الخلافة في الأرض لرسالة جديدة ورسول جديد، يرد إلى شريعة الله استقامتها، ويحكم شريعة الله لا أهواء البشر في حياة البشرية جمعاء كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)} [الجاثية: ١٨،١٩].
وهكذا يتمحض الأمر:
فإما شريعة الله .. وإما أهواء الذين لا يعلمون .. وليس هناك من فرض ثالث .. ولا طريق وسط بين الشريعة الإلهية، والأهواء البشرية .. وما يترك أحد شريعة الله إلا ليحكم الأهواء.
فكل ما عدا شريعة الله هوى يهفو إليه الذين لا يعلمون.
وكل ما جاء به القرآن الكريم وكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)} [الجاثية: ٢٠].
فهذا الكتاب العظيم فيه تبيان كل شيء، فيه الهداية والإنارة، فهو بذاته بصائر كاشفة، وهو بذاته هدى، وهو بذاته رحمة.
وحين يستيقن القلب ذلك يعرف طريقه إلى ربه، وعندئذ يصبح القرآن له نوراً وهدى ورحمة بهذا اليقين.