للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله عزَّ وجلَّ يعرض على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - أحوال الأمم السابقة مع رسلهم، وهو الذي انتهت إليه أمانة الدعوة إلى الله في الأرض كلها إلى آخر الزمان، ووكلت إليه هداية البشرية إلى ربها في العالم كله إلى يوم القيامة.

واضطلع بأكبر عبء كلفه رسول، يعرض عليه بالتفصيل أحوال الأنبياء مع أممهم؛ ليرى في حياة الأنبياء الرحمة بالخلق، والإحسان إليهم، والعفو عنهم، والشفقة عليهم، والصبر على أذاهم، واللطف بهم.

ويرى كذلك جهد الأنبياء وتضحيتهم من أجل إعلاء كلمة الله، وإقرار حقيقة الإيمان في الأرض، وتوجيه الخلق إلى عبادة ربهم.

ويطلع منها على عناد البشرية أمام دعوة الحق، وفساد القيادة الضالة، وغلبتها على القيادة الراشدة، ثم رحمة الله بعباده بإرسال الرسل تترى كلما فسدت أحوال البشر، وضلوا عن طريق الإيمان والهدى كما قال سبحانه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)} [المؤمنون: ٤٤].

وتعرض تلك الأحوال العجيبة كذلك على الأمة المسلمة عامة، فهي الوارثة لدعوة الله في الأرض بعد رسولها - صلى الله عليه وسلم -، وللمنهج الإلهي المنبثق من هذه الدعوة؛ لترى صور الجهاد والكفاح، والتربية والدعوة، والإصرار والثبات من جميع الأنبياء والمرسلين؛ لأقرار حقيقة الإيمان في الأرض.

كما ترى فيها عناية الله بالقلة المؤمنة، وإنجائها من الهلاك الشامل في ذلك الحين: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)} [يوسف: ١١٠].

وتعرض آيات القرآن كذلك تلك الأحوال على الكفار والمشركين ليروا فيها مصير أسلافهم المكذبين، ويدركوا نعمة الله عليهم في إرساله إليهم رسولاً رحيماً بهم، لم يدع عليهم بالهلاك الشامل، وذلك لما يقدره من الرحمة بهم إلى حين.

<<  <  ج: ص:  >  >>