للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصارت تعرف قيمة المال ولا تعرف قيمة الإيمان .. وتعرف قيمة الأشياء ولا تعرف قيمة الأعمال .. وتعرف قيمة الدنيا ولا تعرف قيمة الآخرة .. وتعرف قوة المخلوق ولا تعرف قوة الخالق .. وتعرف شهوات النفس ولا تعرف أوامر الرب.

فجاءت بسبب ذلك المصائب والعقوبات كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦].

والإيمان فضل من الله، وهو قضية اقتناع بعد البيان والإدراك، وليس قضية غصب وإكراه وإجبار كما قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦].

وقد جاء الدين يخاطب الإدراك البشري كله بكل قواه وطاقاته في غير قهر حتى بالخوارق المادية التي قد تلجئ مشاهدها إلجاءً إلى الإذعان.

وإذا كان هذا الدين لا يواجه الحس البشري بالخارقة المادية القاهرة فهو من باب أولى لا يواجهه بالقوة والإكراه ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد، أو مزاولة الضغط القاهر والإكراه بلا بيان ولا إقناع ولا اقتناع.

وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه، وإن كان الواجب إلزامه بما ينفعه وما فيه نجاته وسعادته شفقة عليه ورحمة به.

والإيمان هو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه، والكفر هو الغي الذي يجب على الإنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به.

وحقاً فما يتدبر الإنسان نعمة الإيمان، وما توفره من السعادة في الدنيا والآخرة وما تمنحه للإدراك البشري من تصور واضح، وما تزجيه للقلب البشري من طمأنينة وسلام، وما تثيره في النفس من رغبات في كسب الأجور، وما تحققه

<<  <  ج: ص:  >  >>