ما يتدبر الإنسان هذه النعم الكبرى إلا ويجد فيها الرشد والفلاح الذي لا يرفضه إلا سفيه يترك الرشد إلى الغي.
فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد، وحرية الدعوة إلى العقيدة الراشدة، إنما يسلبه إنسانيته ابتداءً.
والإسلام أفضل الأديان وأكملها وأشملها، وهو أفضل منهج رضيه الله للمجتمع الإنساني ينادي بأن لا إكراه في الدين، ويبين لأصحابه قبل غيرهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين.
ولكن عليهم نشره وبيانه، وترغيب الناس فيه، وتحذيرهم من مخالفته: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [البقرة: ٢٥٦].
وكل مسلم مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين، شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء، وتؤيد الخير الذي يحمله للبشر.
ولكنه لا يمكن أن يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه ومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين.
صورة يراها الناس فيرون فيها مثلاً رفيعاً يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود، وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من نظم.
ويجعل من الدين قاعدة حياته ونظام مجتمعه، ويسعى لبقائه وتمكينه ونشره.
ويؤثر الموت في سبيله على الحياة في ظل مجتمع آخر لا يحكم بأمر الله في حياة البشرية، فذلك شهادة بأن هذا الدين خير من الحياة ذاتها، وهي أعز ما يحرص عليها الأحياء.
وعهد المؤمن هو ابتداء مع ربه، ومتى قام الرسول بإبلاغه فقد انتهت مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وانعقدت البيعة مع الله، فهي باقية في عنق المؤمن بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كل أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -.