وقد أمر الله عزَّ وجلَّ رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ ما أنزل إليه كاملاً كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)} [المائدة: ٦٧].
هكذا يبلغ كل ما أنزل إليه، لا يستبقي منه شيئاً، ولا يؤخر منه شيئاً مراعاة للظروف، أو تجنباً للاصطدام بأهواء الناس، أو واقع المجتمع.
وإن لم يفعل فما يكون قد بلغ، فليصدع بكلمة الحق والله يتولى حمايته وعصمته من الناس، ومن كان الله له عاصماً فماذا يملك له العباد المهازيل؟.
إن كلمة الحق، كلمة (لا إله إلا الله) يجب أن تبلغ كاملة فاصلة من أول يوم، وليقل من شاء من المعارضين لها كيف شاء، وليفعل من شاء من أعدائها ما يفعل، لا بدَّ أن يصدع بها الداعي لتصل إلى القلوب في قوة ونفاذ كما قال سبحانه لرسوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} [الكافرون: ١، ٢].
وكلمة الحق في العقيدة حين يصدع بها الداعي تصل إلى مكامن القلوب التي يكمن فيها الاستعداد للهدى، وهي القلوب التي قد يطمع صاحب الدعوة في أن تستجيب له لو داهنها في بعض الحقيقة.
والقوة والحسم في إلقاء كلمة الحق في العقيدة لا يعني الخشونة والفظاظة، بل أمر الله رسوله بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولا تعارض في ذلك فوسيلة التبليغ شيء، والمادة المبلغة شيء آخر، فقد وصف الرسول الكفار بصفتهم، وفاصلهم في الأمر، وبين أنهم على الباطل المحض، ودعاهم إلى الحق المحض.