للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمره ربه عزَّ وجلَّ أن يقول لأهل الكتاب أنهم ليسوا على شيء من الدين والإيمان، بل ليسوا على شيء أصلاً كما قال سبحانه: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨)} [المائدة: ٦٨].

لأن الدين ليس كلاماً يقال باللسان .. ولا كتباً تقرأ وترتل .. وليس صفات تورث وتدعى.

إنما الدين منهج حياة، منهج يشمل العقيدة في القلب، والعبادة الممثلة في الشعائر، والعبادة التي تتمثل في إقامة نظام الحياة كلها على أساس هذا المنهج الإلهي.

ولما لم يكن أهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده هذه كُلِّف الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يواجههم بأنهم ليسوا على دين، وليسوا على شيء أصلاً من هذا القبيل، حتى يمتثلوا أوامر الله التي جاءت في كتبه المنزلة.

ومواجهة الكفار بهذه الحقيقة ستؤدي إلى أن تزيد كثيراً منهم طغياناً وكفراً، وعناداً ولجاجاً، ولكن هذا لم يمنع من مواجهتهم بها، وألا يأسى على ما يصيبهم من الكفر والطغيان، والضلال والشرود، بسبب مواجهتهم بها.

وأن حكمته سبحانه تقتضي أن يصدع بكلمة الحق، وأن تترتب عليها آثارها في النفوس البشرية فيهتدي من يهتدي عن بينة، ويضل من يضل عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة:

{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)} [المائدة: ٦٤].

والله عزَّ وجلَّ يبين للداعي بهذا منهج الدعوة، ويطلعه على حكمة الله في هذا المنهج، ويسلي قلبه عما يصيب الذين لا يهتدون، إذا هاجتهم كلمة الحق فازدادوا طغياناً وكفراً، فهم يستحقون هذا المصير البائس؛ لأن قلوبهم لا تطيق

<<  <  ج: ص:  >  >>