الدعاة من بعده، وعمل الأمة قاطبة، وهذا البلاغ أول مراتب الجهاد وأعلى ذروته.
وإذا اتجه الناس إلى الإيمان وعبادة الله وحده فإن الجاهلية لا بدَّ أن تواجه الدعاة إلى الله المبلغين لدينه بالإعراض والتحدي، ثم بالإيذاء والمكافحة، ومن ثم تجيء مرحلة الجهاد في سبيل الله في حينها نتاجاً طبيعياً للتبليغ الصحيح لا محالة، فينصر الله أولياءه، ويخذل أعداءه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)} [الفرقان: ٣١].
والقرآن الكريم يبين جميع أصول الدعوة، ويقرر أنها دعوة إلى سبيل الله، لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه لله وأجره على الله.
يدعو بالحكمة والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يأمرهم بالتكاليف قبل استعداد النفوس لأدائها بالإيمان واليقين.
ويختار الطريقة التي يخاطبهم بها، وينوع في هذه الطريقة تارة ببيان عظمة الله وجلاله .. وتارة ببيان نعمه وآلائه .. وتارة بالترغيب بالجنة .. وتارة بالترهيب من النار .. وتارة بدعوة العقول إلى النظر في الآيات الكونية .. وتارة بالنظر في الآيات الشرعية .. وتارة بإثارة العاطفة لتعظم العظيم، وتحمد الكريم، وتستحي من العزيز الكريم فلا تعصي له أمراً .. ولا تقترف جرماً .. وهكذا.
والدعوة بالموعظة الحسنة التي تدخل القلوب برفق، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، وتشحن النفوس بالغضب والعناد.
فالرفق في الموعظة والتلطف بالناس كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
كما تكون الدعوة بالجدل بالتي هي أحسن إذا لزم الأمر، بلا تحامل على