ثم إنهم أمناء على إقامة الحق في هذه الأرض، وتحقيق العدل بين الناس، وقيادة البشرية إلى الطريق القويم.
فكيف ينهضون بهذا كله وهم يهانون فلا يعاقبون، ويعتدى عليهم فلا يردون.
ومع تقرير قاعدة القصاص بالمثل فالإسلام يدعو إلى العفو والصبر حتى يكون المسلمون قادرين على دفع الشر ووقف العدوان، وحين يكون العفو فيها والصبر أعمق أثراً.
فأما إذا كان الصبر والعفو يهينان الدعوة ويرخصانها فالقاعدة الأولى هي الأولى والأجدر.
وعلى الداعي ألا يحزن إذا رأى الناس معرضين لا يهتدون، فإنما عليه واجبه يؤديه، والهدى والضلال بيد الله وحده، يمضيه وفق سنته في فطرة النفوس واستعدادها.
وعليه ألا يضيق صدره بمكرهم وكيدهم وحيلهم فإنما هو داعية لله والله حافظه من كل مكر وكيد، فعليه بالصبر: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} [النحل: ١٢٧، ١٢٨].
وقد يقع الأذى على الداعي لامتحان صبره، ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثقته بربه، ولكن العاقبة مضمونة ومعروفة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} [النحل: ١٢٨].
ومن كان الله معه فلا عليه ممن يكيدون له، ويمكرون به.
إن الذين يؤمنون بالله وبما جاء به الرسل لا يقفون عند حد الإيمان، بل يكونون دعاة له، ويحاولون أن يجذبوا غيرهم إلى الهداية، وأن يجادلوا الكفار بالحجة عسى أن يؤمنوا بالله.
فالمسلم يقوم بالدعوة إلى الله، فإذا اهتدى الكفار والعصاة كان له أجران:
أجر لبيان الطريق المستقيم، واستمرار البلاغ عن الله لعباده.