للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما الذي يحيد بي عن عبادة ربي؟.

فالفطرة مجذوبة إلى الذي فطرها تتجه إليه أول ما تتجه، فلا تنحرف عنه إلا بدافع آخر خارج على فطرتها، وهو يحس كذلك أن المخلوق يرجع إلى الخالق في النهاية، كما يرجع كل شيء إلى مصدره الأصيل، فلم لا أعبد الذي فطرني، والذي إليه المرجع والمصير، فمن حقه أن يعبدوه ولا يعبدوا معه غيره.

ثم يقرر الداعي في وجه قومه المكذبين المهددين قائلاً لهم: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)} [يس: ٢٥].

قال ذلك لأن صوت الفطرة في قلبه أقوى من كل تهديد، ومن كل تكذيب، فهذا الداعي جزاؤه الجنة: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)} [يس: ٢٦، ٢٧].

فأما الطغيان الذي واجهه فكان أهون على الله من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره فهو ضعيف، فما كانت إلا صيحة واحدة صرعت القوم، وأخمدت أنفاسهم: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)} [يس: ٢٨، ٢٩].

فما أعظم جهل العباد بربهم، وما أشد تكذيبهم لرسله: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢)} [يس: ٣٠ - ٣٢].

إن الدعوة إلى التوحيد التي بعث الله بها رسله كما أن لها أنصاراً، فلها كذلك أعداء يقلبون الحقائق، ويقاومون أهلها، ويوهمون الناس أن وراء هذه الدعوة خبيئاً غير ظاهرها، وأنهم هم الكبراء العالمون ببواطن الأمور، المدركون لما وراء هذه الدعوة من خبئ.

ولهذا يعجبون من دعوة التوحيد الخالصة؛ لأنها خطر عليهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)} [ص: ٥].

فلا يغتر الناس بهذه الدعوة، فليس ما جاءوا به هو الدين الحق، إنما هو شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>