ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل مواكب الإيمان، ومواكب الدعوة، مستمرة دائماً تذكر الناس بربهم، وتعرفهم بمنهج الله، وتحثهم عليه، وترغبهم فيه، وتعلمهم إياه.
فأساس المنهج الإيماني، أن يواجه الداعي الناس بالدعوة إلى الله، ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له كما في قصة أصحاب القرية: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)} [يس: ١٤].
أما موكب الإيمان في سورة الكهف فإنهم لم يواجهوا قومهم، بل هربوا بدينهم وفروا بعيداً عن الكفار كما قال الله عنهم: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠)} [الكهف: ١٠].
هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم الله هدى، إنما هم يمثلون المنهج الإيماني واستمراره.
فهل في هذا تناقض؟.
يبقى الإنسان مرة يجادل .. ومرة يهرب ويفر بدينه؟.
والجواب: أن هذا عين الحكمة، فالحكمة في المثلين واحدة وإن اختلف الأسلوب.
فالله سبحانه يريد أن يبقي المنهج الإيماني مواجهاً للكفار، مجادلاً لهم حتى آخر لحظة، ولكنه في الوقت نفسه لا يريد من المنهج الإيماني إذا واجه قوة ستقضي عليه أن يستسلم ويتركها تقضي عليه، إنما عليه أن يفر بدينه إلى مكان آخر، ثم يعود مرة أخرى بعد أن يكون قد قوي واستطاع المواجهة.
والله عزَّ وجلَّ لا يريد من الدعاة إلى الله أن يهربوا من المجتمع، أو أن يعتزلوا، بل لا بدَّ أن يبقوا وأن يقولوا كلمة الحق، وأن تظل الدعوة مستمرة كما في قصة صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)} [يس: ٢٠].
والله سبحانه في سورة الكهف قد حدد شرطين لا ثالث لهما ليفر الإنسان بدينه