للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)} [الإسراء: ٨٢].

فتخلف الاهتداء يكون لعدم قبول المحل تارة .. ولعدم آلة الهدى تارة .. ولعدم فعل الفاعل وهو الهادي تارة.

ولا يحصل الهدى على الحقيقة إلا عند اجتماع هذه الثلاثة.

وقد قال سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} [الأنفال: ٢٣].

فقطع الله تبارك وتعالى عنهم مادة الاهتداء وهو إسماع قلوبهم وإفهامها ما ينفعها، لعدم قبول المحل فإنه لا خير فيه، فإن الإنسان إنما ينقاد للحق بالخير الذي فيه، ومحبته له، وحرصه عليه، وهؤلاء ليس في قلوبهم شيء من ذلك.

فوصل الهدى إليها ووقع عليها كما يصل الغيث النازل من السماء على الأرض الغليظة العالية، والتي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فلا هي قابلة للماء ولا للنبات، فالماء في نفسه رحمة وحياة ولكن ليس فيها قبول له.

وفي هؤلاء مع عدم القبول والفهم آفة أخرى وهي الكبر والإعراض وفساد القصد، فلو فهموا لم ينقادوا ولم يتبعوا الحق ولم يعملوا به.

فالهدى في حق هؤلاء هدى بيان وإقامة حجة لا هدى توفيق وإرشاد، فلم يتصل الهدى في حقهم بالرحمة.

وأما المؤمنون فاتصل الهدى في حقهم بالرحمة فصار القرآن لهم هدى ورحمة، ولأولئك هدى بلا رحمة.

والرحمة المقارنة للهدى في حق المؤمنين نوعان: عاجلة وآجلة.

فأما العاجلة فما يعطيهم الله في الدنيا من محبة الخير والبر، وذوق طعم الإيمان وحلاوته، والفرح والسرور بهذا الهدى، فهم يتقلبون في نور هداه، ويمشون به في الناس.

فهم أشد الناس فرحاً بما آتاهم ربهم من الهدى، وقد أمرهم ربهم أن يفرحوا بفضله ورحمته بقوله سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>