عطاءً، ومن شغله عطاؤه: وقطعه عنه انقلب العطاء في حقه منعاً، فمن أعطاه الله فمحله قابل للعطاء، ومن منعه فلأن محله غير قابل للعطاء، وليس معه إناء يوضع فيه العطاء، ومن جاء بغير إناء رجع بالحرمان، ولا يلومن إلا نفسه.
والهادي هو الله تبارك وتعالى .. وكتابه هو الهدى الذي يهدي به على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. والمهتدي هو الذي اهتدى بالهدى بإذن الهادي وتوفيقه.
فها هنا ثلاثة أشياء: فاعل .. وقابل .. وآلة.
فالفاعل هو الله سبحانه، والقابل قلب العبد، والآلة هو الذي يحصل به الهدى وهو الكتاب المنزل.
فالمحل القابل: هو قلب العبد المتقي المنيب إلى ربه، فإذا هداه الله فكأنه وصل أثر فعله إلى محل قابل فتأثر به، فصار له هدى وشفاء ورحمة وموعظة.
وإذا لم يكن المحل قابلاً وصل إليه الهدى فلم يؤثر فيه، كما يصل الغذاء إلى محل غير قابل للاغتذاء، فإنه لا يؤثر فيه شيئاً، بل لا يزيده إلا ضعفاً ومرضاً، وهكذا القرآن شفاء للمؤمنين، وخسارة للكافرين كما قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)} [الإسراء: ٨٢].
فتخلف الاهتداء يكون إما لعدم قبول المحل تارة .. وإما لعدم آلة الهدى تارة .. وإما لعدم فعل الفاعل وهو الهادي تارة.
ولا يحصل الهدى على الحقيقة إلا عند اجتماع هذه الأمور الثلاثة.
وإذا أعرض العبد عن ربه جازاه بأن يعرض عنه، فلا يمكِّنه من الإقبال عليه كما قال سبحانه: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)} [التوبة: ١٢٧].
فلما انصرفوا بفعلهم صرف الله قلوبهم عن القرآن وتدبره؛ لأنهم ليسوا أهلاً له، فالمحل غير صالح ولا قابل.
فانصرافهم الأول كان لعدم إرادته سبحانه ومشيئته لإقبالهم؛ لأنه لا صلاحية فيهم ولا قبول، فلم ينلهم القبول والإذعان، فانصرفت قلوبهم بما فيها من